Friday, July 12, 2013

My weekly article for Al-Akhbar published here

My weekly article for Al-Akhbar won't appear in the paper tomorrow due to the advice of the paper's lawyers.  I have thus decided to post it here in full.  It is titled: "A Cultural (and Sincere) Letter of Apology to Tariq Mitri".



إعتذار ثقافي (صادق) من طارق متري
بقلم
أسعد أبو خليل

أصدرت محكمة المطبوعات في لبنان حكم إدانة ضد جريدة "الأخبار" بسب مقالة لي أزعجت الوزير السابق, طارق المتري, الذي نفى ان يكون قد وصل يوماً إلى أعتاب الوزارة بفضل صهر إلياس المرّ (والذي تبعه عقائديّاً وأيدلوجيّاً) لأنه قال إنه وصل بفضل الكنيسة في دولة مدنيّة ينشدها هو وباقي فريق 14 آذار.  أما أن متري كان قد تنقّل برشاقة في غضون سنة واحدة بين 8 وبين 14 آذار, فإن هذا لا يضيره البتّة لأن في ذلك تعزيز لعقيدة ال"جمباز" في السياسة, وهي تضفي مسحة من الجمال والإبداع على ثقافة لبنان.
صدّقني يا طارق متري عندما إقول لك أنني أرعويت.  أنا إرعويت, بالتأكيد.  كيف لا يرعوي من يقرأ قرار إدانة من محكمة المطبوعات الموقرة التي تنظر في قضايا غير مستعجلة على الإطلاق.  لكن القرار ترك ما يستوجب التفسير بعد لأي.  هل يمكن مثلاً تسديد التعويض (وهو معنوي بنظر المحكمة حتى لو كان ماديّاً لأن المعنوي والماديّ صنوان في النمط الرأسمالي) بالدنانير السعوديّة تسهيلاً للمعاملات الجمركيّة وللتبادل التجاري الصرف؟  هل إن قرار المحكمة يفرض تبجيلاً لطارق متري بمناسبة وغير مناسبة؟  وهل أن قرار المحكمة يسري على مناعة المرشدين الروحيّين لطارق متري, وهم من الأجّلاّء؟  ثم هل يمكن رفع الأمر إلى هيئة كبار العلماء في الرياض؟
لكن متري هذا لم يقم الدعوى في أميركا حيث أعمل وأقيم منذ 30 سنة بالتمام والكمال, بل إختار أن يقيمها في بلد العدل والمساواة في لبنان.  يعلم متري هذا أن المحكمة في أميركا لم تكن لتقبل—مجرّد القبول--دعوى من نوع هذه الدعوى الذي قدّمها لأن قانون الحريّات العامّة في أميركا, حسب تفسير المحكمة العليا للتعديل الأوّل للدستور الأميركي الموضوع قبل ثلاثة قرون, يتيح لأي كان المجاهرة كتابة وشفاهة بنقد وتجريح وحتى بقدح وذمّ ضد كل من يتولّى مسؤوليّة حكوميّة, لا بل ضد كل من يتعاطى الشأن العام من المشاهير (بما فيه نجوم الفنّ أنهم يدخلون في نطاق ما تسمّيه المحكمة ب"تحت أنظار العامّة").  أكثر من ذلك, فإن القانون هنا—والذي تجنّبه طارق متري تجنّب وليد جنبلاط للمال—يسمح بنشر الأكاذيب ضد أي مسؤول حكومي لأن في ذلك كسب لحريّة الناس ضد الحكومة.  (صحيح ان الحكومة الأميركيّة سنّت مرّة واحدة قانوناً ضد التعرّض للمسؤوليّين الحكوميّين (قانون "إثارة الفتنة") لكن ذلك كان في أواخر القرن الثامن عشر وقد تم الطعن بالقانون وإلغائه بعد سنوات فقط).  لكن ما ضير لو أن متري ينشد قوانين الحريّة الحكوميّة التي نُقضت قبل ثلاثة قرون؟
وهناك سابقة طريفة تُسجّل للوزير متري: انه كان وزيراً للثقافة والإعلام لكنه لم يجد ضيراً في مقاضاة كاتب زميل له لأن شعوره قد جُرح وفؤاده قد إضطرب من مقالة مكتوبة.  قد يقول قائل أو قائلة ان الوزير عبّر بذلك عن ضيق غير مسبوق للصدر وأنه كشف انه كمثقّف لا يأخذ حريّة التعبير على محمل الجدّ.  لكن هذه وجهة نظر فقط, ويجوز التعريض بها في ساحة قرية أو حتى في مطبوعة خارج لبنان أو في سجال تلفزيوني.  الوزير متري لا يريد ان يكون مثقفا محصّناً ضد النقد أبداً.  هو يقول ان المُثفّف في السلطة يجب ان يتمتّع بحريّة تفوق حريّة أي مواطن. أي ان المثقّف في السلطة يصبح مواطناً متفوّقاً وذلك بسب التبعيّة للطائفة ولزعيم فيها نال موقعها إما عنوة أو بمساعدة شقيقة من جهاز مخابراتي قدير, وليست القدرة إلى لمن قدر نفطاً وغازاً. 
وهناك من ينسى ان الوزير متري أصبح شخصيّة عالميّة تتمتّع بسمعة: ألم ينتقيه جيفري فيلتمان كي يكون مندوباً من درجة غير متقدّمة في ليبيا للإشراف على دولة حرصت ال"ناتو" (راعية الثقافة والمثقّفين) على إنشائها في ليبيا بعد تدميرها وحرقها؟  هناك معنى ما في أن يختار جيفري فيلتمان—زبدة الرجل الأبيض—طارق متري من باقي شخصيّات 14 آذار.  إن في هذا التقدير, كل التقدير, وفي هذا الشرف كل الشرف, وفي هذا الإختيار دليل صفوة.
ثم إن قانون محكمة المطبوعات صدر عن جهاز قضائي لبناني.  والسلك القضائي في لبنان, مثل كل أجهزة الدولة, فوق الشبهات.  ألم تروا وترين معي كيف أن مجلس القضاء الأعلى أثبت انه يستحق صفته القدسيّة وانه لا يخضع لغير مشيئة الطائفة وزعمائها؟  القضاء في لبنان خارج المنازعات بين اللبنانيّين وهو لا يتأثّر لا بمال ولا بتدخّلات من المخابرات المحليّة او الإقليميّة.  إن قبول بعض القضاة لدعوات غداء وعشاء وبعض الهدايا الرمزيّة لا تنغصّ على اللبنانيّين فخرهم بقضائهم أو بقوى دركهم.  لم يكن إطلاق صفة "الممتازة" على بلديّة بيروت قديماً من الصدف أو الإعتباط. 
وبناء عليه, وعلى ضوء ضخّ الأخلاقيّات في لبنان, وفي زمن تعزّ فيه النزاهة الأدبيّة, وفي وقت تحرص فيه جمعيّة 14 آذار الخيريّة—والتي ينتمي إليها الوزير متري بعد ان جرّب حظّه في عهد لحّود في جمعيّة 8 آذار—على الحفاظ على التواصل الأجتماعي-الطائفي-المذهبي الإجتماعي بين "مكوّنات" الوطن الأبيّ, يقتضي على المرء مواجهة نفسه بالضعة وبنكران الذات.  إذا كان الإعتراف جزء من الطقوس الكنسيّة الكاثوليكيّة, فلماذا لا يكون إشهار الندم ونقد الذات من شيم الثقافة في لبنان خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بجرح شعور مسؤول في الدولة, خصوصاّ إذا كان المسؤول قد إعتزل العمل الثقافي لصالح العمل العائلي (العائلي, من عائلة الحريري). 
وعليه, فإنني المدعو فلان الفلاني من المدينة الفلانيّة, أتقدّم بعميق الإعتذار والأسف من طارق متري على فعلتي الشنيعة.  نسيت لوهلة—أو لحظة تخلّي عن التخلّي الذي لا يجوز ان يتم التخلّي عنه—أن المثقّف لا يجب ان يخوض غمار النقد والنقد المضاد وأن واجب المثقّف الإنحناء المهذّب امام رجل السلطة, خصوصاً إذا كان جاء بإرادة النزيه الوطني إلياس المرّ, الذي لم تشوبه شائبة في وثائق ويكليليكس (بإستثناء تقديم النصح للعدوّ الإسرائيلي من أجل الإيغال في العدوان وبإستثناء عرض واقع التصارع الطائفي لصالح مندوب سفارة أجنبيّة من أجل نشر العلم والمعرفة في الغرب), والذي بقي في السلطة وإستمرّ بأمر من عائلة الحريري ومن تندبه هي من اجل الخير العام.  يستحق مني طارق متري كل الإعتذار.
أودّ ان أتقدّم بعميق الإعتذار من الوزير طارق متري لأنني لا أرتقي إلى مستوى مبادئه ومعاييره.  أعتذر من الوزير متري لأنني لم أدخل في تجمّع يساري طائفي في سنوات الحرب, والذي جمع طفيليّي الحركة الوطنيّة الذين تحوّلوا كلهم بفعل المال.  أعتذر منه لأن المرور في الفكر التقدّمي لم يكن ممرّاً وجيزاّ وذلك بهدف الإنسجام مع القوى النافذة والمتنفذّة في البلد.  أعتذر منه لأنني أخذت عقائدي ومبادئي ويساريّتي وعلمانيّتي على محمل الجدّ.  أعتذر منه ومن كل المشاهدين والمشاهدات على محطات الضخ الطائفي. 
كما أنني أعتذر من الوزير متري لأنني لم أرضخ لسلطة الطائفة التي ولدت فيها, من دون إرادة (ومن دون تنكّر, طبعاً).  كيف لا أعتذر لأنني لا أقدّم الطاعة إلى مسؤول الطائفة, ولا أنحني لأقبّل يده في الأعياد وفي الملمّات؟  كيف لا أعتذر لأنني بقيت في العلمانيّة ولم أهجرها طمعاً بسلطة فاقدة السلطة نحو سلطة الكنيسة أو الجامع؟  كيف لا أعتذر عن وقاحة الإيمان بنأي المثقّف عن سلطة الدين وتجارته الرائجة, خصوصاً في مواسم الصراع والأعياد على حدّ سواء؟
كيف لا أعتذر من الوزير متري لأنني لم أتبع من شكّل نموذجاً يحتذى في الإلتحاق بحاشية أصحاب الميليارات.  الوزير متري: أجيال من الشباب والشابات مدينة لك بالكثير, وبربطات العنق المزركشة.  كيف ولا هناك من لم يفهم الدرس عن الذي قدّم لهم صراطاً من الإنخراط في حاشية وزير (كفاؤته هي في علاقة الصهر بالرئيس), والوزير بدوره كان ملتحقاً بحاشية صاحب ميليارات؟
أعتذر من الوزير متري لأنني لم أصل إلى مجلس الوزراء بجهد الكفاءة والعلمانيّة وعدم التبعيّة ولأنني لم أستغلّ الفرصة في وجودي في موقعي كي أقدّم تقارير تفصيليّة عن مداولات المجلس وعن مشاريع القوانين الخاضعة للدرس والتمحيص إلى سفير دولة أجنبيّة تحرص على لبنان, كما يحصر "أصدقاء سوريا" على سوريا.  أعتذر وأتلو فعل الندامة قبل الأكل وبعده, مرتيْن.  كم كان يمكن أن أخدم بلدي لو أنني اسهمت في كتابة تقارير تساعد في تنمية معرفة الرجل الأبيض عن بلادنا, كما أسهمت الرسائل التي كتَبها (من دون جواب معظم الأحيان) توفيق الحكيم إلى صديقه "أندريه" (في "زهرة العمر") من أجل تعميق فهمه وحنانه نحو الرجل المتخلّف؟  منك يا طارق متري أعتذر.   
أعتذر من الوزير متري لأنني لم أتقلّب في العقائد والمباديء والأيدلوجيا, كما أعتذر منه لأن التقدميّة لم تكن زيارة سياحيّة مصلحيّة لي ولأترابي.  أعتذر أمام الوزير متري وأمامكم لأنني لم أضعف أمام أصحاب الميليارات وشيوخ النفط والغاز, ولم أرقص أمام أمراء آل سعود طعماً بساعة ذهبيّة أو ماسيّة في معصمي.  لا, كيف لا أعتذر وأنا لم ألقِ كلمة عن التنوير والتقدميّة والمدنيّة في مهرجان الجنادريّة الذي يجمع زبدة آل سعود مع زبدة الثقافة والإعلام في العالم العربي.  أوّاه, ثم أوّاه, كم أنا أعتذر لأنني لم اصل إلى مرتبة العظام في الثقافة العربيّة—لنسمّهم مقامات عليا—الذين يتلقّون الدعوات من قيادة الحرس الوطني السعودي لنشر الثقافة والعلم امام جمهرة حاشية سعود.  إليك يا طارق متري أقدّم إعتذاري وحناني. 
أعتذر من الوزير متري لأنني لم أعرف حركة مقاومة فعّالة ضد إسرائيل إلا وهتفتُ لها, كما أعتذر منه لأننني في عدوان تمّوز كنت في عداد الذين هجوا وبقوّة من لامَ المقاومة اللبنانية على وحشيّة العدوّ الإسرائيلي, وحمّلها مسؤوليّة ما لحق لبنان من دمار ومن حرق ومن تخريب.  لا, لم أكن في صفّ من إلتحقوا بركب فريق 14 آذار السعودي الذي حمّل مسؤوليّة عدوان إسرائيلي إلى ضحايا العدوان.  أعتذر من الوزير متري لأنني لم أجد في خطابه (بالنيابة عن السنيورة الذي إنتدبه, والأخير حجّة في المقاومة لأنه قبل عدد من العقود مشي في تظاهرة ضد السفارة الأميركيّة في بيروت مما حصّنه وإلى الأبد من إتهامات بعدم الوطنيّة أو بنقص في منسوب العروبة) في الأمم المتحدة ما يشفي غليلي من العداء ضد إسرائيل. أعتذر منه لأنني وجدت في الإستشهاد التاريخي  في خطابه هناك خارج السياق ومضاً من "المحاكاة الحضاريّة" التي دعى إليها شارل مالك بعد إجتياح 1982 وبعد إرساء دعائم دولة الإحتلال الإسرائيلي في لبنان.  ماذا كان يدور في خلدي عندما لم أتقبّل كلام متري وعندما أزعجني الخزي فيه؟ 
إنني إعتبر كلام وإدانة المحكمة من المنزّلات (والمنزّلات هي غير "المنزّلة" ذلك الطبق البيروتي الذي كثيراً ما أدخل البهجة والحبور إلى قلوب محبّي ومحبّات الباذنجان على أنواعه خصوصاً إذا كان متشرّباً لزيت الزيتون, غير الخفيف على المعدة خصوصاً إذا ما إمتزج بالباذنجان, فخر الصناعة الوطنيّة).  أعتذر بالنيابة عن كل من لم ير في إلتحاق الوزير متري بفريق 14 آذار تعبيراً عن قناعة صادقة وراسخة وبنّاءة وعن حنان فائق وعن رشد راشد وعن رشاقة أيدلوجيّة وعن حب الأسفار, واللبناني—يقبر أمه وأباه—مولع بالأسفار.
إنني الموقّع أدناه أعتذر من الوزير طارق متري لأنني لم أبدو نادماً على فعلي الشنيع قبل اليوم, كما أن الذين لم يعتذروا من الوزير أحمد فتفت عن تقريعهم له بسبب تفضيله لتقديم واجب الضيافة للمحتلّ على مقاومته يجب ان يعتذروا, اليوم قبل الغد.  الآن الآن, وليس غدا أو بعد غد.
وعليه, على المحكمة اللبنانيّة التي لا تنظر بعين الهوى أو عين الغرض أو عين الطائفة أو عين الزعامة, ان تنظر في أمر إعتذاري على أنه إعادة نظر في سيرة رجل منذ أن كان فتى.  للثقافة اليوم—بعد الإعتذار—طعم آخر مُشبّع بالتمر السعودي والقحط النجدي.  لكن للإعتذار—كي يكتمل وكي يصدق—ساحاته.  إن الرغبة في الإعتذار يجب ان تقودني إلى مهرجان الجنادريّة المقبل كي أتقدّم من الجمهور التنويري بإعتذاري التنويري من الوزير متري, الذي كثيراً ما نال إعجاب اللجنة الفاحصة في ذلك المهرجان. ومن يظنّ ان جيفري فيلتمان—راعي وحاضن المثقفين العرب—ينتقي الوزير متري دون غيره كي يمثّل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي في ليبيا لو لم ينل إعجاب اللجنة الفاحصة؟  كيف يكون له ذلك؟  كلا, وألف كلا.  إن لجنة جيفري فيلتمان الفاحصة يمكن لها ان تكون مصنع الوطنيّة المشبّع بالعروبة, حتى ولو لم تكن الكنية العربيّة. 
للوزير متري أفضال وأفضال على الثقافة والوطن, ولا ينكرها إلا الجاحد.  ومن الوزير متري, يعتذر هذا الجاحد.